تحتوي أمعاء الإنسان على أنواع مختلفة من البكتيريا تتراوح، في المتوسط، بين 500 إلى 1000 نوع، ويوجد معظمها في الأمعاء الغليظة، وأغلب هذه الأنواع مفيدة، بل وضرورية؛ إذ تقوم بعدة وظائف مثل إنتاج فيتامين (كيه) K أو تحفيز الجهاز المناعي. وعندما يتم تعطيل هذه «الميكروبات المعوية» ومنعها من أداء وظائفها بسبب المرض أو العدوى، أو نتيجة تلقي العلاج بالمضادات الحيوية، فمن الممكن أن تضعف قدرة الشخص على هضم الطعام وتدهور صحته بشكل عام بكتريا عسيرة
* في الولايات المتحدة، تعد الإصابة المتكررة بالبكتيريا المطثية العسيرة Clostridium difficile bacteria أحد الأسباب الرئيسية لهذا النوع من الاضطراب المعوي، حيث يصل معدل الإصابة بالبكتيريا المطثية العسيرة إلى 7000 شخص في اليوم. والعلاج المستخدم لمقاومة هذا المرض هو السبب الرئيسي وراء الإصابة بالإسهال المرتبط بتعاطي المضادات الحيوية، فالبكتيريا المطثية العسيرة تتنافس مع غيرها من البكتريا من أجل البقاء في الأمعاء، ورغم قدرة المضادات الحيوية على قتل العديد من أنواع البكتريا المنافسة لها، فإنها في كثير من الأحيان لا تتمكن من القضاء على البكتيريا المطثية العسيرة، مما يسمح لها بأن تعربد في الأمعاء كيف تشاء.
وعادة ما يتم علاج البكتيريا المطثية العسيرة باستخدام مضادات حيوية من نوع ميترونيدازول، أو فانكومايسين في حالات الإصابة الشديدة، وكلا النوعين قادر على قتل النوع النشط من هذه البكتيريا، ولكن الشكل الخامل منها من الممكن أن يتمكن من البقاء على قيد الحياة، حيث تنشط البكتريا الخاملة، في نحو خمس الحالات المرضية، بمجرد توقف العلاج بالمضادات الحيوية، ونتيجة لهذا التكرار يصاب أكثر من نصف المرضى إصابة مزمنة من المحتمل أن تكون مميتة في بعض الأحيان.
علاج فعال
* ويعتقد بعض الأطباء في الوقت الحالي أنهم قد وجدوا علاجا فعالا، وإن كان مقززا إلى حد ما، للمرضى المصابين بالبكتيريا المطثية العسيرة، حيث من المقترض أن تؤدى عملية زرع البراز، وهى العملية التي يتم فيها وضع براز شخص سليم في أمعــــــــــــــــــــاء شخص مريض، إلى إصلاح البيئة الميكروبية الفاسدة في أمعاء المريض، وعلى الرغم من أن فكرة زرع البراز ليست جديدة؛ حيث نشر أول تقرير عن حالة من هذا القبيل في عام 1958، فإن شعبية هذا الإجراء قد زادت منذ عام 2000.
وتعد هذه العملية، التي تعرف أيضا بالمعالجة بالبكتريا البرازية أو لنقل البروبيوتيك البشرى، عملية سهلة وغير معقدة، وعلى الرغم من أنه يمكن لأي شخص سليم التبرع ببـــــــرازه، فإن الأطباء قد يختارون الشخص الذي كان على علاقة جنسية حميمة بالمتلقي، حيث إنه يكــــــــــــــون قد حدث بينهما تبادل لسوائل الجسم بالفعل من قبل، الذي يعتقد الأطباء أنه قد يقلل من خطر انتقال المرض من براز المتبرع. كما يعد الآباء، والأشقاء، والأطفال البالغون للمرضى من كبار السن من المتبرعين المفضلين أيضا، فوجود عوامل وراثية وبيئية مشتركة يجعل من المرجح أن تنجح عملية الزرع نتيجة لتشــــــــــــــــــابه البكتيريا المعوية.
ويخضع المتبرع المحتمل لفحوص الدم الروتينية الخاصة بالتهاب الكبد، وفيروس نقص المناعة البشرية، وغيرها من الأمراض، كما يمكن أيضا أن يتم اختبار عينــــــــــــــــات من البراز للتأكد من عدم وجود سموم أو طفيليات مطثيـــــــــــــــــــــــة عســــيرة بها، ويقدم المتبرع، بعد التأكد من سلامته، عينة براز طازجة، حيث يضيف الأطباء محلولا ملحيا إلى البراز، ثم يهرســــــــــــــــــــون الخليط في خلاط منزلي، وبعد ذلك يتم تمرير الخليط عبر شاش أو مصفــــــــــــــــاة قهوة لإزالة جزيئات الطعام الكبيرة التي لم تهضم.
زرع البراز
* ولدى الأطباء خيارات عديدة لزرع خليط براز المتبرع في أمعاء المريض، حيث يمكن زرع البراز من خلال أنبوب أنفي معدي، الذي يتم إدخاله عن طريق الأنف إلى أسفل البطن (يتم إعطاء المريض مثبطات لخفض مستويات حمض المعدة)، أو عن طريق التنظير الداخلي العلوي، حيث يتم إدخال أنبوب من خلال حنجرة المريض، كما يمكن أيضا زرع البراز الذي تم التبرع به من الناحية الأخرى من الجسم من خلال تنظير القولون أو الحقنة الشرجية، والعملية كلها تستغرق من 5 إلى 25 دقيقة، اعتمادا على طريقة الزرع.
حتى الآن كانت هناك توصيات بإجراء عمليات زرع البراز في دراسات الحالة لنحو 200 مريض يعانون من الإصابة المتكررة بالبكتيريا المطثية العسيرة، ووفقا لتلك التقارير، فإن النتيجة الأولية للزرع تظهر في معظم المرضى بعد يومين أو ثلاثة، وتكون نسبة الشفاء مرتفعة بشكل مبهر، حيث تصل إلى نحو 90%، ولم يتم تسجيل أي مضاعفات معدية أو انتكاسات لدى المرضى. ويقول أنصار علاج حالات الإصابة الشديدة بالبكتيريا المطثية العسيرة عن طريق زرع البراز بدلا من المضادات الحيوية، إن هذا العلاج سيكون فعالا من حيث التكلفة والحد من خطر تكاثر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
مناقشات جارية
* لكن البعض الآخر يجادل بأن نقل المواد الجسدية من مريض إلى آخر ينطوي على مخاطر جسيمة، مثل نقل مسببات الأمراض المعوية، كبكتريا الإشريكية القولونية «إي كولاي»، إلى المريض، كما أنه حتى الآن لا توجد نتائج تجارب سريرية يمكن الاعتماد عليها. وقد أجرى باحثون هولنديون تجربة على مرضى البكتيريا المطثية العسيرة قارنوا فيها بين العلاج بزرع البراز والعلاج بالمضادات الحيوية من نوع فانكومايسين، ولكن لم يتم نشر نتائج هذه التجربة بعد، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من إجراء تجربة كندية مماثلة في عام 2013.
ولكن أنصار العلاج عن طريق زرع البراز مقتنعون، حتى دون وجود نتائج تجارب سريرية، أن هذا العلاج يعمل بشكل جيد، كما يعتقد البعض أن هذه الطريقة قد تكون مفيدة لعلاج أمراض أخرى بخلاف الإصابة بالبكتيريا المطثية العسيرة، حيث تم استخدام طريقة زرع البراز بنجاح لعلاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات الأمعاء مثل داء الأمعاء الالتهابي، ولكن مع ذلك تظل مشكلة كون هذه الطريقة طريقة مقززة مشكلة يصعب التغلب عليها، إلا أن الباحثين يدرسون حاليا تطوير واستخدام البراز الاصطناعي، وهو عبارة عن مزيج من الأنواع البكتيرية الرئيسية التي يتم إعدادها في محلول معقم وزرعها بالطريقة نفسها التي يتم بها زرع البراز الطبيعي، وسوف يلغي البراز الصناعي الحاجة لوجود متبرعين بالبراز ويجعل هذه العملية «أكثر كفاءة وليس فقط أقل تقزيزا»، كما يقول الدكتور لورنس برانت، الرئيس الفخري لقسم طب الجهاز الهضمي في مركز «مونتيفيوري» الطبي في مدينة نيويورك.