الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل بيتَه الحرام مثابة للناس وأمناً، ودعاهم لأن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ونادى خليله إبراهيم عليه السلام، فقال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج:27)
فقام إبراهيم عليه السلام فقال: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فجاوبتْه النطفُ في الأصلاب والأرحام، لبيك اللهم لبيك، فمَنْ كتب اللهُ له السعادة لبَّى مع الملبِّين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله سيد النبيين، وإمام الأولياء والمتقين، القائل صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([1])، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أيها الإخوة الأحباب الأكرمون، إن الحج مدرسة عظيمة، وفريضة كريمة، هو الفريضة الوحيدة التي سمَّى الله بها سورة في القرآن الكريم، فليس في القرآن سورة اسمها الصلاة، أو الزكاة أو الصيام، لكن فيه سورةً عظيمةً تُسَمَّى سورة الحج، لأن الحج مدرسة عظيمة، وفيه مجال كبير لتربية النفوس والأرواح، ميلاد جديد، هكذا سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول صلي الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»([2]) الحج ميلاد جديد يولد فيه الإنسان من جديد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»([3]) كل ما سبق من الذنوب يأتي الحج فيهدمها، ويبدأ الإنسان رحلة جديدة مع الله، كلها صفاء، كلها نور، كلها قرب من العزيز الغفور جل وعلا.
الحج، هو فريضة كريمة علق الله بها قلوب الصالحين، فتجد الأفئدة من مشارق الأرض ومغاربها، تهوي إلى البيت العتيق، العربي وغير العربي، الذي يفهم الكلام، ويقرأ القرآن ويعي معانيه، والذي لا يقرأ ولا يعي المعاني، الكل تعلق قلبه بهذا البيت الكريم منذ أن أقام دعائمه الخليل إبراهيم عليه السلام ودعا الناس بأمر ربه إليه، من يومها وقلوب المؤمنين في كل الأجيال وفي كل البلاد تتعلق بالبيت العتيق، ولا تجد مسلماً وقلبه لا يهتز عند ذكر البيت، ويهفو للقاء رب البيت تبارك وتعالى، هذه فطرة، ملأ الله قلوب العباد شوقاً لهذا البيت، ورغبة في أداء هذه الفريضة.
ولذلك وحتى لا يحزن الناس، ولا يصيب كثيراً من الناس الهم، بيّن الله أن غير القادر لا حرج عليه، لأن القلب بطبعه مشتاق، فيتألم حين لا يستطيع، فلهذا جعل له ربه أن لا شيء عليه ما دام غير قادر لأنه يعلم ما في قلبه من الرغبة، وما في قلبه من الحب والشوق، فقال: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (آل عمران: (97))
ولهذا كان الحج مدرسة عظيمة، فيها من الدروس والعبر والآيات، ما نحن في أمس الحاجة إليه، وإلى تعلُّمه، ربما نكون مشتاقين لزيارة البيت العتيق، والطواف حول الكعبة المشرفة، ربما تكون قلوبنا معلقة، بزيارة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والمشي في الأرض المباركة التي وطأتها أقدامه الشريفة، لكن يمكننا إذا لم يتيسر لنا الحج يمكننا أن نعيش مع رحلة الحج بأرواحنا وقلوبا وأن ندخل مدرسة الحج، فنتعلم منها، الدروس النافعة، حتى يحقق لنا الله تبارك وتعالى لنا الخير، تعالوا بنا أيها الأحبة إلى هذه المدرسة الكريمة الإلهية الربانية النورانية، لنتلقى منها بعض الدروس والعبر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو
وحي القلم
تالق وتميز
تالق وتميز
ذكر عدد الرسائل: 113
العمر: 29
العمل/الترفيه: مندوب مبيعات
اعلام الدول:
مزاجي:
المهنة:
الهواية:
تاريخ التسجيل: 16/06/2009
مُساهمةموضوع: رد: من دروس الحج: التجرد والمداومة على الطاعات الأربعاء نوفمبر 17, 2010 7:51 pm
أول درس في الحج: هو أن نعرف معنى الإسلام على الحقيقة، كيف نكون مسلمين؟ هل الإسلام هو أن أقول أنا مسلم؟ يقول الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد أن تكلم عن بنائه للبيت، ودعائه لربه بأن يجعل ذريته أمة مسلمة، يقول { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ } (البقرة 130-131)
يا إخواني الكرم هل كان إبراهيم غير مسلم حين قال له ربه أسلم؟ هل كان إبراهيم في ذلك الوقت كافرًا ؟ فيكون معنى الكلام: اترك الكفر وادخل في الإسلام؟ لا... كان إبراهيم مسلماً، إذاً لماذا يقول له ربه: أسلم؟ فيجيب هو فيقول: أسلمتُ لرب العالمين؟
المسألة فيها سر، والإسلام إذاً ليس كلمة تقال باللسان، قال أسلم، أي أسلم لي نفسك خالصاً، بحيث لا يكون لي فيك شريك، كلما أمرتك بأمر لا تتردد، وكلما نهيتك عن شيءٍ لا تجادلْ، وكلما لفتُّ نظرَك إلى أمر لا تتأخر، سلِّمْ لي نفسَك، هذا معنى الإسلام، وفهم سيدنا إبراهيم معنى الطلب، فهم ما يعنيه الله من «أسلم»، فقال كلمته الرائعة: أسلمت لرب العالمين، يا رب أنا كلي لك، مُرْني بما شئتَ.
ولم يتركه الله في هذه الدعوى من غير اختبار، إنما أراد أن يحقق إبراهيم معنى الإسلام على الحقيقة، قال: ما دمت أسلمت لرب العالمين فهذا الولد فلذة الكبد الذي رُزِقْتَه على كِبَر، وأنت في أمسِّ الحاجةِ والشوق إليه، اخرُجْ به وبأمه فدعهما في أرض صحراء مهلكة، لنرى إن كنتَ تستجيب لله حقًا فيما هو شاق عليك، كما تستجيب لما هو يسير أم لا؟
ولم يتردد إبراهيم عليه السلام، فأخذ هاجر وابنها حتى وصل بهما إلى وادي غير ذي زرع، حيث أمره الله أن يتركهما، لم يسأل ربه، ماذا سيأكلون؟ وماذا سيشربون؟ وكيف سيعيشون؟ وما الفائدة في أن أضعهم في الصحراء؟ ولماذا لا تتركهم معي أعلمهم الإسلام ويكونوا مسلمين؟ ولم يدخل في أي حوار مع الله، هو الله قال له خذهم من هنا وضعهم هنا، فلم يتردد، والتفت راجعاً، ونادته هاجر: يا إبراهيم لمن تتركنا؟ فلما ألحت هاجر عليه، ولم يجب، وهي تعرف إبراهيم وكيف إسلامه لله، «قَالَتْ لَهُ: آللهُ الَّذِى أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا»([4]). وترك ابنه في هذا المكان، ورفع يده إلى السماء، وقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } (إبراهيم: (37))