فقال الحافظ ابن كثير: ":فكانت سوق الجهاد قائمة في بنى أمية ،ليس لهم شغل إلا ذلك ،قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وبرها وبحرها ،وقد أذلوا الكفر وأهله ،وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا. لا يتوجه المسلمون إلى قُطْرٍ من الأقطار إلا أخذوه ،وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه "... ويعترف جورجي زيدان بذلك ويقول: "ولم يبلغ العرب من الغزو والسؤدد ما بلغوا إليه في أيام هذه الخلافة ،وقد تكاثروا في عهدها ،وانتشروا في ممالك الأرض "
وكان الأمويون أنفسهم يصطلون بنيران هذا الجهاد، ويقدمون بأنفسهم القدوة والمثل في التضحية وقيادة الجيوش ومصادمة الأعداء فقد أرسل معاوية ابنه يزيد على رأس جيش لحصار القسطنطينية ،وأرسل عبد الملك ابنه الوليد مراتٍ للغزو في بلاد الروم، وكان ابنه الثاني مسلمة قائد جبهة الروم، وغزواته أكثر من أن تُعد، وحصاره مدينة الروم-القسطنطينية- معروف ومشهور، وكان أخوه محمد بن مروان أمير الجزيرة يتولى الغزو في أغلب الأحيان ،وأولاد الوليد بن عبد الملك وهم العباس وعبد العزيز وعمر ومروان يقودون الغزو في بلاد الروم، ويساعدون عمهم مسلمة بن عبد الملك في ذلك، كما أن سليمان بن عبد الملك كان ابنه داود على رأس قواته المجاهدة في بلاد الروم، وأما هشام بن عبد الملك فقد كان يفرض الغزو على بنى مروان جميعا، ومن يتأخر عن الغزو يمنع عنه العطاء، وكان أولاده في مقدمة الغزاة ،ومنهم معاوية وسليمان ومسلمة وسعيد وغيرهم ،أما مروان بن محمد فكان بنفسه يقود الجيوش ويصبر في القتال صبرا شديدا.