اقترحت ثلاث نظريات لتفسر منشأ مرض الزهري. ومن المتفق عليه عموما من قبل المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا أن الزهري كان حاضرا بين الشعوب الأصلية في الأمريكتين قبل الأوروبيين، وسافر إليهم من الأمريكتين. ومع ذلك، فإن هناك جدلا حول ما إذا كانت سلالات مرض الزهري موجودة في العالم كله على مدى آلاف السنين، أو إذا كان المرض محصورا في إقليم الأمريكتين في عصر ما قبل كولومبوس.
وترى "نظرية ما قبل كولومبوس" أن مرض الزهري كان موجودا في أوروبا قبل اكتشاف القارة الأمريكية من قبل الأوروبيين. ويعتقد بعض العلماء أن أعراض هذا المرض قد وصفها أبقراط في اليونان الكلاسيكية في مرحلته التناسلية / أو الثالثة. وهناك موجودات أخرى مشتبه فيها لمرض الزهري من قبل الاتصال بأوروبا، بما في ذلك في القرنين الثالث والرابع عشر في الدير الأوجستيني في الميناء الإنجليزي في الشمال الشرقي لمدينة كينغستون أبون هول. ويعتقد أن تاريخ هذه المدينة البحرية، مع استمرار وصول البحارة من أماكن بعيدة، كان عاملا رئيسا في انتقال مرض الزهري.[6] وقد أظهرت الهياكل العظمية للرهبان الذين كانوا يعيشون في هذه الدير والمؤرخة بالكربون بعض الإصابات العظمية التي يقول عنها المؤيدون لهذه النظرية إنها نموذجية لمرض الزهري التناسلي، على الرغم من أن هذا متنازع عليه من قبل النقاد لهذه النظرية. كما عثر على هياكل عظمية في مدينتي بومبي وميتابونتو في مرحلة ما قبل كولومبوس في إيطاليا وبها إصابات مماثلة لتلك التي يسببها الزهري الخلقي [7][8] على الرغم من أن تفسير هذه الأدلة قد هو أيضا متنازع عليه.[9] ويقول دوغلاس أوسلي، وهو عالم الأنثروبولوجيا الفيزيائية في مؤسسة سميثسونيان، وغيره من مؤيدي هذه الفكرة : إن الكثير من حالات الجذام في العصور الوسطى الأوروبية - وبالعامية الجذامية lepra - كانت في الواقع حالات من مرض الزهري. وعلى الرغم من أن الفولكلور يزعم أن الزهري لم يكن معروفا في أوروبا حتى عودة البحارة المرضى للرحلات الكولومبية ،
... لا يمكننا إلقاء "اللوم" على مرض الزهري، حيث إنه هو في كثير من الأحيان، موجود في أي منطقة جغرافية أو عرق محدد. وتشير الدلائل إلى أن هذا المرض كان موجودا في كل من نصفي الكرة الأرضية منذ عصور ما قبل التاريخ. وليست سوى صدفة أن يتحول مرض الزهري - والذي كان يعتقد سابقا أنه " جذام" - مع الحملات الكولومبية إلى خبيث (فوعة) في نهاية القرن الخامس عشر.[10]
وكتب لوبديل وأوسلي أن الكاتب الأوروبي الذي سجل تفشي مرض "الجذام" في عام 1303 كان يصف بوضوح مرض الزهري." [10]
وترى نظرية "التبادل الكولومبي" أن مرض الزهري كان هو مرض العالم الجديد الذي أحضره كولومبوس ومارتن ألونسو بينسون. وأشاروا إلى أدلة وثائقية تربط بين أفراد الطاقم في رحلة كولومبوس وتفشي مرض الزهري في نابولي في عام 1494.[11] وهذه النظرية مدعومة بدراسات جينية للزهري التناسلي والبكتيريا ذات الصلة به، والتي وجدت مرضا وسيطا بين الداء العليقي والزهري في غيانا، في أمريكا الجنوبية
وأخيرا، فإن المؤرخ ألفرد كروسبي قد أشار إلى صحة كلا النظريتين جزئيا في "نظرية الجمع". يقول كروسبي إن البكتيريا المسببة لمرض الزهري تنتمي إلى نفس أسرة تطور السلالات للبكتيريا التي تسبب الداء العليقي وعدة أمراض أخرى. وعلى الرغم من الاصطلاح على تعيين موطن الداء العليقي في شمال إفريقيا، فإن كروسبي قد لاحظ أنه لا توجد أدلة قاطعة لأي من الأمراض ذات الصلة أنها كانت موجودة في عصر ما قبل كولومبس في أوروبا، أو أفريقيا، أو آسيا.
وهناك أدلة لا تقبل الجدل على أن مرض الزهري كان موجودا في مرحلة ما قبل اكتشاف كولومبوس الأمريكتين. وكتب كروسبي، "ليس من المستحيل أن تكون الكائنات المسببة لداء اللولبيات قد وصلت من أمريكا في سنوات 1490... وتطورت إلى كل من الزهري التناسلي وغير التناسلي والداء العليقي." ومع ذلك، فإن كروسبي يرى أنه من المرجح أن الأنواع السلفية شديدة العدوى لهذه البكتيريا قد انتقلت مع أسلاف الإنسان الأوائل عبر الجسر البري لمضيق بايرينغ منذ عدة آلاف من السنوات من دون أن تموت في سكان المصدر الأصلي. ولذلك فإنه قد افترض أن "اختلاف الظروف البيئية تنتج أنواعا مختلفة من داء اللولبيات ,مع الزمن، تتصل اتصالا وثيقا ببعضها ولكنها أمراض مختلفة." [14] وبالتالي، فإن البكتريا اللازهرية الضعيفة قد ظلت على قيد الحياة في العالم القديم لتؤدي في آخر الأمر إلى نشوء الداء العليقي أو البجل. وقد تطور إصدار العالم الجديد إلى البنتا المرض الأخف وإلى الزهري الأكثر عدوان